سورة البقرة - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


قوله عز وجل: {إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَة فما فوقها}.
في قوله: {لاَ يَسْتَحْيِي} ثلاثةُ تأويلاتٍ:
أحدها: معناه لا يترك.
والثاني: يريد لا يخشى.
والثالث: لا يمتنع، وهذا قول المفضل.
وأصل الاستحياء الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفاً من موَاقَعَةِ القبح.
والبعوضة: من صفار البقِّ سُميت بعوضة، لأنها كبعض البقَّة لصِغَرِها.
وفي قوله: {مَا بَعُوضَةً} ثلاثةُ أوجُهٍ:
أحدها: أن (ما) بمعنى الذي، وتقديره: الذي هو بعوضة.
والثاني: أن معناه: ما بين بعوضة إلى ما فَوْقها.
والثالث: أن (ما) صلةٌ زائدةٌ، كما قال النابغة:
قَالَتْ أَلاَ لَيْتُمَا هذَا الْحَمَامُ لَنَا *** إِلَى حَمَامَتِنَا وَنِصْفُهُ فَقَدِ
{فَمَا فَوْقَهَا} فيه تأويلان:
أحدهما: فما فوقها في الكبر، وهذا قول قتادة وابنِ جُريجٍ.
والثاني: فما فوقها في الصغر، لأن الغرض المقصود هو الصغر. وفي المثل ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه وارد في المنافقين، حيث ضَرَبَ لهم المَثَلَيْنِ المتقدِّمين: مثَلَهُمْ كمثل الذي استوقد ناراً، وقوله: أو كصيِّب من السماء، فقال المنافقون: إن الله أعلى مِنْ أن يضرب هذه الأمثال، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}، وهذا قول ابن مسعود وابن عباس.
والثاني: أن هذا مثلٌ مبتدأ ضَرَبَهُ الله تعالى مثلاً للدنيا وأهلها، وهو أن البعوضة تحيا ما جاعت، وإذا شبعت ماتت، كذلك مثل أهل الدنيا، إذا امتلأوا من الدنيا، أخذهم الله تعالى عند ذلك، وهذا قول الربيع بن أنس.
والثالث: أن الله عز وجل حين ذكر في كتابه العنكبوت والذباب وضربهما مثلاً، قال أهل الضلالة: ما بال العنكبوت والذباب يذكران، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهذا قول قتادةَ، وتأويل الربيع أحسن، والأولُ أشبَهُ.
قوله عز وجل: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} فيه ثلاثةُ تأويلات:
أحدها: معناه بالتكذيب بأمثاله، التي ضربها لهم كثيراً، ويهدي بالتصديق بها كثيراً.
والثاني: أنه امتحنهم بأمثاله، فَضَلَّ قوم فجعل ذلك إضلالاً لهم، واهتدى قوم فجعله هدايةً لهم.
والثالث: أنه إخبار عمَّنْ ضلَّ ومن اهتدى.
قوله عز وجل: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ}.
أما النقض، فهو ضد الإبرام، وفي العهد قولان:
أحدهما: الوصيَّة.
والثاني: الموثق.
والميثاق ما وَقَعَ التوثق به.
وفيما تضمنه عهده وميثاقه أربعة أقاويل:
أحدها: أن العهد وصية الله إلى خلقه وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعة، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصية في كتبه، وعلى لسان رسله، ونقضهم ذلك بترك العمل به.
والثاني: أن عهده ما خلقه في عقولهم من الحجة على توحيده وصدق رسله بالمعجزات الدالة على صدقهم.
والثالث: أن عهده ما أنزله على أهل الكتاب من، على صفة النبي صلى الله عليه وسلم، والوصية المؤكدة باتباعه، فذلك العهد الذي نقضوه بجحودهم له بعد إعطائهم الله تعالى الميثاق من أنفسهم، ليبينه للناس ولا يكتمونه، فأخبر سبحانه، أنهم نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً.
والرابع: أن العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم، الذي وصفه في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنا} [الأعراف: 172].
وفي هذه الكتابة التي في ميثاقه قولان:
أحدهما: أنها كناية ترجع إلى اسم الله وتقديره من بعد ميثاق الله.
والثاني: أنها كناية ترجع إلى العهد وتقديره من بعد ميثاق العهد.
وفيمن عَنَاهُ الله تعالى بهذا الخطاب، ثلاثة أقاويل:
أحدها: المنافقون.
والثاني: أهل الكتاب.
والثالث: جميع الكفار.
قوله عز وجل: {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن الذي أمر الله تعالى به أن يوصل، هو رسوله، فقطعوه بالتكذيب والعصيان، وهو قول الحسن البصري.
والثاني: أنَّه الرحمُ والقرابةُ، وهو قول قتادة.
والثالث: أنه على العموم في كل ما أمر الله تعالى به أن يوصل.
قوله عز وجلَّ: {وَيُفْسِدُونَ في الأَرْضِ} وفي إفسادهم في الأرض قولان:
أحدهما: هو استدعاؤهم إلى الكفر.
والثاني: أنه إخافتهم السُّبُلَ وقطعهم الطريق.
وفي قوله: {أُولئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} قولان:
أحدهما: أن الخسران هو النقصان، ومنه قول جرير:
إِنَّ سليطاً في الْخَسَارِ إِنَّهُ *** أَوْلاَدُ قَوْمٍ حلفوا افنه
يعني بالخَسَار، ما ينقُصُ حظوظهم وشرفهم.
والثاني: أن الخسران ها هنا الهلاك، ومعناه: أولئك هم الهالكون.
ومنهم من قال: كل ما نسبه الله تعالى من الخسران إلى غير المسلمين فإنما يعني الكفر، وما نسبه إلى المسلمين، فإنما يعني به الذنب.


قوله عز وجل: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ}.
في قوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ} قولان:
أحدهما: أنه خارج مخرج التوبيخ.
والثاني: أنه خارج مخرج التعجب، وتقديره: اعجبوا لهم، كيف يكفرون!
وفي قوله: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} ستة تأويلات:
أحدها: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً} أي لم تكونوا شيئاً، {فَأَحْيَاكُمْ} أي خلقكم، {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عند انقضاء آجالكم، {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} يوم القيامة، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود.
والثاني: أن قوله: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً} يعني في القبور {فَأَحْيَاكُمْ} للمساءلة، {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} في قبوركم بعد مساءلتكم، ثم يحييكم عند نفخ الصور للنشور، لأن حقيقة الموت ما كان عن حياةٍ، وهذا قول أبي صالح.
والثالث: أن قوله: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً} يعني في أصلاب آبائكم، {فَأَحْيَاكُمْ} أي أخرجكم من بطون أمهاتكم، {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} الموتة التي لا بد منها، {ثُم يُحْيِيكُمْ} للبعث يوم القيامة، وهذا قول قتادة.
والرابع: أن قوله: {وَكُنْتُمْ أَمْواتاً} يعني: أن الله عز وجل حين أخذ الميثاق على آدم وذريته، أحياهم في صلبه وأكسبهم العقل وأخذ عليهم الميثاق، ثم أماتهم بعد أخذ الميثاق عليهم، ثم أحياهم وأخرجهم من بطون أمهاتهم، وهو معنى قوله تعالى: {يَخْلُقْكُمْ في بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: 6] فقوله: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً} يعني بعد أخذ الميثاق، {فَأَحْيَاكُمْ} بأن خلقكم في بطون أمهاتكم ثم أخرجكم أحياء، {ثم يُمِيتُكُمْ} بعد أن تنقضي آجالكم في الدنيا، {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} بالنشور للبعث يوم القيامة، وهذا قول ابن زيدٍ.
والخامس: أن الموتة الأولى مفارقة نطفة الرجل جسده إلى رحم المرأة، فهي مَيِّتَةٌ من حين فراقها من جسده إلى أن ينفخ الروح فيها، ثم يحييها بنفخ الروح فيها، فيجعلها بشراً سويّاً، ثم يميته الموتة الثانية بقبض الروح منه، فهو ميت إلى يوم ينفخ في الصور، فيرُد في جسده روحه، فيعود حياً لبعث القيامة، فذلك موتتان وحياتان.
والسادس: أن قوله: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً} خاملي الذكر دارسي الأثر، {فَأَحْيَاكُمْ} بالظهور والذكر، {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عند انقضاء آجَالكم، {ثُمَّ يُحييكُمْ} للبعث، واستشهد من قال هذا التأويل بقول أبي بُجَيْلَةَ السَّعْدِيِّ:
وَأَحْيَيْتَ مِنْ ذِكْرِي وَمَا كَانَ خامِلاً *** وَلكِنَّ بَعْضَ الذِّكْرِ أنْبَهُ مِنْ بَعْضِ
وفي قوله: {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} تأويلان:
أحدهما: إلى الموضع الذي يتولى الله الحكم بينكم.
والثاني: إلى المجازاة على الأعمال.


قوله عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ} فيه ستة أقاويل:
أحدها: أن معنى قوله: {اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ} أي أقبل عليها، وهذا قول الفراء.
والثاني: معناه: عمد إليها، وقصد إلى خلقها.
والثالث: أنّ فِعْل الله تحوَّل إلى السماء، وهو قول المفضل.
والرابع: معناه: ثم استوى أمره وصنعه الذي صَنَعَ به الأشياء إلى السماء، وهذا قول الحسن البصري.
والخامس: معناه ثم استوت به السماء.
السادس: أن الاستواء والارتفاع والعلوَّ، وممن قال بذلك: الربيع بن أنس، ثم اختلف قائلو هذا التأويل في الذي استوى إلى السماء فعلا عليها على قولين:
أحدهما: أنه خالقها ومنشئها.
والثاني: أنه الدخان، الذي جعله الله للأرض سماءً.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10